الدعوى رقم 37 لسنة 9 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبدأ سيادة الدستور
إن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسى القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، ودون أي تفرقة أو تمييز
– في مجال الالتزام بها
– بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ذلك أن هذه السلطات كلها سلطات مؤسسة أنشأها الدستور، تستمد منه وجودها وكيانها وهو المرجع في تحديد وظائفها، ومن ثم تعتبر جميعها أمام الدستور على درجة سواء، وتقف كل منها مع الأخرى على قدم المساواة، قائمة بوظيفتها الدستورية متعاونة فيما بينها في الحدود المقررة لذلك، خاضعة لأحكام الدستور الذي له وحده الكلمة العليا وعند أحكامه تنزل السلطات العامة جميعاً والدولة في ذلك إنما تلتزم أصلاً من أصول الحكم الديمقراطي، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور، وهو ما حرص الدستور القائم على تقريره بالنص في المادة 64 منه على أن “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة” وفي المادة 65 منه على أن “تخضع الدولة للقانون…”
ولا ريب في أن المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي الأعم الذي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أيا كان مصدرها ويأتي على رأسها وفي الصدارة منها الدستور بوصفه أعلى القوانين وأسماها، وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً وحكماً لازماً لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يكون لزاماً على كل سلطة عامة أيا كان شأنها وأيا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، النزول عند قواعد الدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضع – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.