قضية رقم 44 لسنة 7 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
حرية الرأي والتعبير
وحيث إن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات”، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في المادة الثالثة منه، وقررت مضمونه الدساتير المصرية السابقة عليه بدءا بدستور سنة 1923، ولا شك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن تكون للشعب – ممثلا في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شئون عامة، وأن تكون للشعب أيضا بأحزابه ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر والنقد البناء لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال وتصرفات وفضلا عن ذلك فإن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء،
وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تعد حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة كحق تكوين الأحزاب السياسية وحق الانضمام إليها وحق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء، بل إن قانون الأحزاب السياسية –
وقد صدر في سنة 1977 قبل تعديل المادة الخامسة من الدستور سنة 1980 بالنص فيها على نظام تعدد الأحزاب
– حين أراد واضعوا القانون المشار إليه أن يقيموا هذا القانون على أساس من الدستور، قد ارتكنوا على ما يبين من مذكرته الإيضاحية وتقرير اللجنة التشريعية عنه – إلى بعض الحريات والحقوق العامة المقررة في الدستور، ومنها حرية الرأي والعقيدة السياسية باعتبار أن حق تكوين الأحزاب يعد حقا دستوريا متفرعا عنها ومترتبا عليها، وإستنادا إلى أن النظم الديمقراطية تقوم على أساس التسليم بقيام الأحزاب السياسية باعتبارها ضرورة واقعية للتعبير عن اختلاف الرأي الذي تحتمه طبيعتها الديمقراطية ولو لم ينص الدستور صراحة على حرية تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها، وإذ كانت حرية الرأي تعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة على ما سلف بيانه، فقد غدت من الأصول الدستورية الثابتة في كل بلد ديمقراطي متحضر وحرصت على توكيدها الدساتير المصرية المتعاقبة، وقررها الدستور القائم بالنص في المادة 47 منه على أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون.
والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني”.
ولئن كان الدستور قد كفل بهذا النص “حرية التعبير عن الرأي” بمدلوله الذي جاء عاما مطلقا ليشمل الرأي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإنه مع ذلك قد خص حرية الآراء السياسية برعاية أوفى لما لها من ارتباط وثيق بالحياة السياسية وبسير النظام الديمقراطي في طريقة الصحيح، ذلك أن الضمانات التي قررها الدستور بشأن حرية الصحافة واستقلالها في أداء رسالتها وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري – حسبما نصت على ذلك المواد 48، 206، 207، 208 من الدستور – إنما تستهدف أساسا كفالة حرية الآراء السياسية باعتبار أن حرية الصحافة هي السياج لحرية الرأي والفكر.