أبحاث و دراسات

تعليق الحقانية علي قانوني التظاهر 107لسنة2013 والتجمهر 10لسنة1914

تقديم :-

حرية التجمع السلمي هو حق أساسي وجوهري من حقوق الإنسان التي يمكن أن يتمتع بها ويمارسها الأفراد والجماعات، وكذا الجمعيات والهيئات الإعتبارية . فالتجمع السلمي يخدم أغراضاً كثيرة بما في ذلك التعبير عن الأراء المتنوعة والتي لا تحظي بالشعبية أو أراء الأقليات ، فحرية التجمع السلمي تلعب دور مهم في الحفاظ على الثقافة وتنميتها وهو ضمان حقيقي لحصول جميع أفراد المجتمع على الفرصة للتعبير عن آرائهم المشتركة مع الأخرين، وحماية هذا الحق هو أمر جوهري لبناء مجتمع متسامح تعددي ذي المعتقدات المختلفة والممارسات والسياسات المتواجدة معاً بسلام. فحرية التجمع السلمي تقوم بتسهيل الحوار داخل المجتمع المدني وما بين المجتمع المدني وبين القيادات السياسية والحكومة .

والأصل أن تلتزم الدولة بمنح حرية التجمع السلمي الحماية الدستورية، كما يجب أن تلتزم كذلك بتسهيل التجمع السلمي وحمايته، فعلي الدولة أن تسعي دائماً لتسهيل وحماية التجمعات العمومية في الموقع المفضل لمنظميها، كما ينبغي أيضاً عندما تفرض الدولة قيوداً علي التجمع أن تكون من خلال قوانين رسمية وأن تكون هذه القوانين متسقه مع الصكوك الدولية التي صادقت عليها الدولة، كما يجب أن تصاغ هذه القوانين وتفسر وتنفذ وفقاً للإجتهاد ذات الصلة الدولية والإقليمية، ويجب أن نضع في نصب أعيننا أن تطبيق هذه القوانين بشكل كبير يعتمد علي وجود أجهزة شرطة نزيهة ومدربة تدريباً كافياً ووجود سلطة قضائية مستقلة.

وأخيراً يجب الإشارة أنه يتطلب عند وضع تنظيم لحرية التجمع السلمي هو وجود حالة من الإستقرار القانوني وقابلية التنبؤ، فالتعديلات التي تدخل كرد فعل على أحداث معينة مثلا غالباً ما تؤدي إلي إصلاحات جزئية وتدريجية وهي تضر بحماية الحقوق والتماسك العام للإطار التشريعي، لذلك ينبغي علي المسئولين عن صياغة التشريعات التشاور دائماً مع أولئك المعنيين بشكل وثيق بإنفاذها ومع غيرهم من الأفراد المهتمين والجماعات، فينبغي إعتبار هذه المشاورات جزء لا يتجزأ من عملية الصياغة تحقيقاً لهذه الغاية .

وعلي ذلك كله نجد أن السلطات المصرية المتوالية في الأعوام الثلاثة الماضية تكالبت من أجل وضع عراقيل تقيد الحقوق والمكتسبات التي إنتزعها الشعب المصري بكفاحه المستمر لحماية المجال العام من تغول السلطات الأمنية، فإذا كانت القوي الديمقراطية منذ يناير 2011 تطمح إلي قانون جديد لتنظيم الحق في التظاهر والتجمع السلمي وفقاً لفلسفة تتوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة والتي تكون قائمة علي ضمان ممارسة الأفراد لهذا الحق، الإ أن هذا القانون رقم 107لسنة2013 والذي أصدره الرئيس المؤقت القاضي عدلي منصور هو أشد قمعاً وتسلطاً، فهو يسير علي ذات الفلسفة التي إتبعها قانون الإجتماعات العامة والمظاهرات في الطرق العمومية رقم14لسنة1923 وهو القانون الذي وضعه الإحتلال البريطاني لمواجهة الحركات الوطنية الداعية للإستقلال، كما أنه لم يكتفي بذلك وإنما إستمر في تحديه الواضح والجائر لقطاع هام من الرأي العام المصري وأصوات المجتمع المدني والقوي السياسية والتي تعالت لرفض هذا القانون بأنه لم يلغ قانون التجمهر رقم10لسنة1914 الصادر من الإحتلال البريطاني بل إستغل وجوده في تحريك إتهامات كيدية وتلفيق التهم للنشطاء وهو ماحدث بالفعل بعد صدور هذا القانون الجديد، وهو ما يدعونه بقانون تنظيم التظاهر .

فالسلطات المصرية المتوالية لا تسعي لإصدار قوانين تهدف إلي تنظيم حق التظاهر أو الحق في التجمع السلمي وإنما كل سعيها هو تقييد هذا الحق والإفتئات عليه، مما يعبر عن إرادة سياسية معادية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لدي السلطة دون أن تسعي أن تهتم بمحاسبة منتهكي حقوق وحريات المصريين علي مدار هذه الأعوام, بل أن الإفلات من العقاب علي إنتهاكات حقوق الإنسان بوجه عام وحرية التعبير بوجه خاص هو سياسة السلطات المصرية الحاكمة حتي الأن .

وفيما يلي نبحث مآخذنا علي القانونين قانون رقم107لسنة2013 تنظيم الحق في الإجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية.. وقانون التجمهر رقم10لسنة1914 “

أولاً : الأحكام العامة

قيود حق الإجتماع العام .

حظر التظاهر والتجمع السلمي في أماكن العبادة .

حظر إستخدام الحق في الإضراب والعصيان المدني المعترف به دولياً وإستخدام تعبيرات مطاطة للقيد من الحق في التجمع السلمي .

ثانياً : الإجراءات والضوابط التنظيمية

1- الإخطار ومدته وشروط التجمع وحق إلغاء المظاهرة قبل موعدها بدون ضوابط حقيقية والمماطلة في ميعاد الطعن .

2- إباحة إستخدام القوة لتفريق التظاهرات في حالات لا تستوفي الشروط التي يمكن وصفها بالحد الأدني المنصوص عليه في المواثيق والمعاهدات الدولية .

ثالثاً : العقوبات

العقوبات المغلظة والتي لا تتناسب مع الجرم أو المخالفة ولا تتناسب مع معايير حقوق الإنسان .

رابعاً : الأحكام الإجرائية

ألغي المشرع في القانون الحالي القانون رقم 14لسنة 1923 وأبقي علي قانون التجمهر الصادر برقم 10لسنة1914 وتعامل مع الشعب وكأنه محتل ، فرض عليه قانون فرضته عليه سلطة إحتلال وعاقبه علي مخالفته كما كانت تعاقب سلطة الإحتلال أجدادنا عند نضالهم ومقاومتهم لها ، فالسلطة من خلال تشريعها الحالي تتحدي شعب قام بمواجات ثورية في ثلاث سنوات فأرادت أن تقمعه وإتخذت قانون المحتل البريطاني لمصر آنذاك وسيلة لذلك .

وعلي ذلك نبحث مآخذنا بالتفصيل الأتي :

أولاً : الأحكام العامة

قيود حق الإجتماع العام .

الحق في حرية التجمع السلمي حق يرتكز في جوهره علي الحرية والتي تعني التمتع دون أية إعاقة لهذا الحق ، والأصل في هذا الحق هو حماية تنفيذ وتطبيق كل من الحقوق الإجتماعية والإقتصادية بما في ذلك وليس علي سبيل الحصر التوظيف والعماله ومصالح العاملين ، علاوة علي ذلك فإن أولئك الذين يسعون إلي الدفاع عن الأمور السياسية والنقابية أو تعزيز المصالح الإجتماعية والإقتصادية يعتمدون علي حماية الحق في التنظيم وفي التظاهر .

وإذ أن الدولة مسئولة بتسهيل التجمع السلمي وحمايته، فعليها أن تضع من الآليات والإجراءات المناسبة لضمان تسهيل وحماية التجمعات العمومية في الموقع المفضل لمنظميها وينبغي أيضاً أن تكفل الدولة عدم إعاقة الجهود المبذولة لنشر المعلومات للترويج بالتجمعات القادمة .

وحيث أن القانون الجديد قد إحتفظ بذات المادة والمتعلقة بالإجتماعات العامة في القانون رقم 14لسنة1923 ، فالقانون قد قيد حق الإجتماع العام ، ومكّن أفراد الآمن من حضور الإجتماعات وأتاح إمكانية فضها . وليس ذلك فسحب بل جعل من المحال العام كل مكان أو محل يستطيع دخوله أشخاص دون دعوة شخصية مسبقة ولا يزيد عددهم عن عشرة لمناقشة أو تبادل رأي في موضوع ذي طابع عام (المادة الثانية – 2 ) ومن ثم يجوز لرجال الأمن فضها أو حضورها بدعوي تأمينها ، وعلي ذلك فإن الأحزاب السياسية بعد أن كانت محلاً خاصاً يناقش سياساته أصبحت محلاً عاماً لابد من إخطار الأمن قبل عقد أي إجتماعاتهم . وإذ كان للدولة في تنظيمها لحق حرية التجمع أن تفرض قيوداً ما فلابد أن تكون هناك أسس مشروعة للتقييد فيجب أن تستخدم التجمعات المساحات العمومية بنفس الطريقة المشروعة كما يستخدمها مزاولو النشاطات التجارية ، ويحب عند تقييد المضامين المرئية أو المسموعة للتجمعات يجب التمسك بأعلي المعايير الممكنة والإمتناع عن فرضها الإ إذا كان هناك تهديد وشك بوقوع أعمال عنف. فينبغي توفير بدائل معقولة في حال فرض أية قيود علي الوقت والمكان أو علي طريق التجمع.

حظر التظاهر والتجمع السلمي في أماكن العبادة .

أماكن العبادة هي جزء أساسي من المجال العام إعتاد الأفراد إستخدامه كمنصات للتعبير عن الرأي وفي الأعوام الثلاثة الماضية كانت أماكن العبادة هي نقطة إنطلاق التجمعات الإحتجاجية ، وجاء القانون الجديد بوضع حظر شامل وعام علي الإجتماع في أماكن العبادة وكذلك حظر تسيير المواكب أو التظاهر منها أو إليها ، والقيد هنا غير مرتبط بإستخدام العنف أو الإعتداء علي حرية الإعتقاد داخل هذه وبشكل مطلق وبغير شرط. فالمشرع هنا جعل العقاب علي التظاهر ذاته لا علي جريمة قد تنشأ عن ممارسة الحق في التظاهر. ويتعارض هذا الحظر مع الممارسات والمعايير الدولية للحق في التجمع السلمي ويعتبر هذا الحظر قيداً خطيراً علي الحق في التجمع السلمي الذي يشكل بدوره عائقاً أمام حرية التعبير ، وقد جاء الحظر مطلقاً وغير مشروط.

وذلك كله يؤكد أن هذا القانون هو إمتداد لمنطق تجريم التجمع السلمي التي تسعي إليه الحكومات المتعاقبة .

حظر إستخدام الحق في الإضراب والعصيان المدني المعترف به دولياً وإستخدام أسس غير مشروعه للقيد من الحق في التجمع السلمي .

خالف المشرع في القانون الجديد ما وقعت عليه مصر وإلتزمت به من معاهدات وخصوصاً إتفاقيات منظمة العمل الدولية وتلك التي تتحدث عن الحقوق المدنية والسياسية والأخري التي تتحدث عن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية ، فالأصل أن التظاهر هو أداة من أدوات الضغط علي الدولة للإستجابة إلي مطالبهم وقد جاء نص المشرع في هذا القانون في المادة السابعة منه ليصادر حق الإضراب السلمي والذي يسعي بالأساس إلي تعطيل الإنتاج للضغط علي أصحاب العمل للإستجابة لمطالب العمال .

كما جرم القانون الجديد الإعتصام في ذاته سواء إقترن بإرتكاب جريمة أم لا ، وهذا يخالف الأصل وهو أن الدولة عليها مسئولية تسهيل التجمع السلمي ، فتنظيم المشرع لأماكن التظاهر أعاق عمليه تواصل المتظاهرين مع الجمهور أو الجهة المستهدفه ، وهو ما يعد إخلالا بالمعايير الدولية في هذا الصدد. فعندما تفرض قيود علي هذا الحق لابد أن تكون متطابقة مع الإتفاقيات والمواثيق التي صدقتها الدولة والخاصة بحقوق الإنسان بشكل يمكن الفرد من تقييم سلكوه بنفسه وما إذا كان أو لم يكن كمشارك خرقاً للقانون أم لا .

فللدولة وضع بعض القيود علي الحق في التجمع السلمي فلابد أن تكون هذه القيود تستند لأسباب مشروعة ، فلا يجب علي الدولة أن تضع العراقيل في سبيل حرية التجمع الإ إذا كانت هناك مبررات مقنعة للقيام بذلك. وعلي ذلك لا يجب أن تستغل الدولة الغموض الكامن في مصطلحات الأمن العام والنظام العام أو غيرها لتبرير حظر أو تفريق التجمعات السلمية فمن الضروري أن توجد أدلة دامغة وواضحة تدل علي أن الطرف المنظم أو المشاركين في حدث معين سوف يستخدمون هم أنفسهم العنف وهذه المسئولية تقع علي عاتق السلطات لإثبات وجود أية مبررات لفرض القيود . كما أن الأصل في إعتبارات السلامة وتلك المتعلقة بالمحافظة علي النظام العام أنه ينبغي عموماً إتخاذ تدابير وقائية إضافية تُفضل عن التقييد.

ثانياً : الإجراءات والضوابط التنظيمية

1- الإخطار ومدته وشروط التجمع وحق إلغاء المظاهرة قبل موعدها بدون ضوابط حقيقية والمماطلة في ميعاد الطعن .

المقرر أن عملية الإخطار في الأصل ليست إجراء ضروري في كل الأحوال ، فالتجمعات البسيطة أو محدودة العدد التجمعات العفوية لا تتطلب إطاراً من الأساس ، فالهدف من الإخطار ليس الهدف منه هو عرقلة التجمع السلمي بل هو تمكين الدولة من وضع الترتيبات اللازمة لتسهيل حرية التجمع وضمان سلامة المتظاهرين وحماية حقوق الآخرين، فالتجمعات العفوية هي أحداث كرد علي واقعة أو حادث أو تجمع حيث لا يقدر منظمه ( إذا كان هناك منظم ) تلبية المهلة القانونية لإخطار مسبق ، وغالباً ما تحدث مثل هذه التجمعات في وقت قريب من الحدث الذي تسبب فيها ، وتكون إمكانية القيام بها أمراً هاماً لأن التأخير من شأنه أن يضعف الرسالة التي تعبر عنها . كما أن مصطلح العفوية لا يعني بالضرورة عدم وجود منظم للتجمع ، فقد تشمل التجمعات العفوية أيضاً تلك التجمعات التي ليست لها منظم معروف ، والأصل أن ينبغي أن تكون التجمعات العفوية هذه قانونية وينظر إليها علي أنها ميزة متوقعة ( بدلاً من إستثناء ) لديمقراطية سليمة . وبطبيعة الحال ينبغي أن تنص القوانين التي تنظم حرية التجمع بوضوح علي حالات الإعفاء من متطلبات الإخطار المسبق للتجمعات العفوية . ولكننا نجد أن المشرع فرض مجموعة من الشروط والقيود الغير مشروعة والتي تسهل علي الأجهزة الأمنية مصادرة حق التظاهر وكذا مصادرة حق الإعتصام السلمي الذي إكتسبه الشعب من يناير 2011 وحتي الموجه الثالثة للثورة في 30-6-2013 من بداية إشتراطه أن يتم الإخطار قبل البدء بالإجتماع العام أو الموكب أو التظاهر بثلاثة أيام علي الأقل إلي أسماء الأفراد المنظمة والشعارات التي يتم رفعها من المشاركين إلي ميعاد إنتهاء الإجتماع أو التظاهرة.

فإشتراط أن يُقدم الإخطار قبل التظاهرة أو الإجتماع بثلاثة أيام يجعله مصادر لحق تنظيم التظاهرات بشكل عاجل، للاعتراض علي قرار فور صدوره، أو معارضته قبل صدوره. وكذا حق وزارة الداخلية في منع المظاهرة أو الإجتماع قبل إنعقاده بناء علي مجرد الظن بأن نية المنظمين أو المشاركين لإرتكاب جريمة ما . كل ذلك يفرغ مصطلح الإخطار من مضمونه ويجعل الأمر بمثابة التصريح من الجهاز الأمني بالقيام بتظاهرة وخصوصاً بعد أن نص القانون علي حق وزارة الداخلية الرفض وأن لمقدمي الإخطار التظلم من قرارها باللجوء إلي القضاء دون أن يفرض علي وزارة الداخلية اللجوء للقضاء لإبداء أسباب رفضها للتظاهرة أو الإجتماع ودون تنظيم لمدة الفصل في التظلم بل نص المشرع بجملة علي وجه السرعة وهي جملة فضفاضة لا تحدد مدة ولا تنظم وقت.

فالقانون الدولي عندما يفترض حق الدولة في وضع تشريعات لتنظيم التظاهر ففي الأساس هو يفترض أن الدولة تضع القوانين متفقة في ذلك مع ثقافتها السياسية داخل البلد ذاتها ، فقوانين تنظيم التظاهر وإلتزام الدول والأفراد المنظمة للمظاهرات بشروطها هو أكثر حضوراً في الدول التي تتمتع بقدر حقيقي من الديمقراطية والتي عاصرتها فترات زمنية كفلت بجعل ظاهرة التظاهر هو الإستثناء . وهو مالم يراعيه المشرع في وضعه القانون لشعب حديث في نضاله الجماهيري الجديد وثقفاته الجديدة التي مازالت في مراحل نضجها الأولي .

2- التوسع في مبررات فض التجمع السلمي وإباحة إستخدام القوة المفرطة لتفريق التظاهرات .

أفرط القانون وأباح لقوات الأمن تفريق التظاهرات أو الإجتماعات في حالات توسع في تحديد إطارها فذكر في ( المادة الحادية عشر – 11 ) إذا صدر أي فعل من المشاركين فيها يشكل جريمة يعاقب عليها القانون أو خروج عن الطابع السلمي للتعبير . فالقانون ينقصه تعريف واضح للطابع السلمي السابق ذكره والإ دخل في نطاق تعريف الخروج عن الطابع السلمي كل فعل من شأنة مجرد أن يُسئ أو يزعج الأخرين ، كما أن القانون إستخدم فعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون وحيث أن لفظ جريمة علي إطلاقه هكذا يشمل كافة أنواع الجرائم المقررة والمعاقب عليها بقانون العقوبات مما يعني التوسع والتبرير لفض الإجتماع والتظاهرة لمجرد المخالفة والتي قد تكون عقوباتها لا تزيد عن 100جنيه ، وإستخدام القوة لفض التظاهرة لمجرد الهتاف ضد إحدي مؤسسات الدولة وذلك لأن رجال الأمن يرون أن هذا الفعل يُعد جريمة قذف أو إهانة يُعاقب عليها بقانون العقوبات. فالأصل في فصل أن هذا الفعل مخالف للقانون من عدمه يجب ألا يتوافر الإ للقضاء دون غيره .

وقد توسع المشرع في الأفعال المحظورة والتي رتب عليها إباحة إستخدام قوات الأمن للفض بالقوة في حالات لا تستوفي الشروط التي ينطبق عليها الحد الأدني في المواثيق الدولية ، فمثلا حظر تعطيل سير المرور فيكيف عملياً منع هذا الحظر ـ كما أن الفمرة من الإخطار في الأصل هو لتمكين المواطنين من توجيه مساراتهم في طرقات بعيدة عن المسيرات والتظاهرات ،ونجد كذلك أيضاً أنه جعل من قبيل الأفعال المحظورة ( إرتداء أقنعة أو أغطية تُخفي ملامح الوجه ) وبحجه أن الغرض من هذا الإرتداء بقصد إرتكاب أفعال تعرض الأفراد أو المنشأت للضرر أو الخطر وذلك كله أمر غير منطقي ـ كيف يعاقب المشرع الأفراد لمجرد إرتدائهم غطاء ، فذلك كله يمثل تعدي علي حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية فقد يخفي بعض المتظاهرين ملامح وجههم أثناء تنظيمهم لمظاهرة خوفاً من صاحب العمل لترصدهم وفصلهم .

ولم يكتفي الأمر بالتوسع في الأفعال المحظورة بل إزداد الأمر بالتبرير والإباحة للأجهزة الأمنية بإستخدام العنف المفرط بل والأسلحة المميته لمجرد إرتكاب فعل من هذه الأفعال المحظورة ، هذا كله بخلاف العقوبات السالبة للحرية التي رتبها القانون علي إرتكاب هذه الأفعال والتي سيأتي ذكرها تفصيلاً فيما بعد .

فلا توجد قيود كافية علي القوة المتاح إستخدمها من جانب قوات الأمن فالأصل هو أن يتم وضع سقف لإستخدام القوة والتناسبية في العامل مع الخطر وهو مالم يتم توافره في هذا القانون الذي ترك التناسبية هنا بدون قيد وتقدير قدر الخطأ متروك لرجال الشرطة . فالأصل في إستخدام القوة أن يكون بإستخدام مجموعة من الإستجابات وردود الفعل الممكن إتخاذها والتي تبرر اللجوء إلي القوة بالطريقة الملائمة والمتناسبة وكل ذلك بعدما تكون التدخلات السلمية العديدة قد فشلت وهو ما أغفله القانون الحالي فهو تجاهل النص علي للجوء للتفاوض أو الوساطة أو الحوار ـ وإن لم تكن هذه الوسيلة ناجحة دائماً فيمكن إعتبارها بمثابة أداة وقائية للمساعدة علي تجنب التصعيد في النزاع أو تجنب فرض قيود تعسفية لا لزوم لها أو اللجوء إلي إستخدام القوة. ولكن المشرع في هذا القانون سمح للأجهزة الأمنية بإستخدام العنف المفرط والأسلحة المميتة مثل قنابل الغاز وطلقات الخرطوش المطاطي وغير المطاطي كما أنه في حالة التطبيق هنا علي غالبية ظباط الشرطة فأن أفعالهم ستصبح قانونية لا تستحق العقاب علي الرغم من تفاوت وعدم تناسب الفعل الخطأ ورد الفعل عليه ، وهذا كله يرتب إفلات ظباط الشرطة من العقاب إن أساءوا إستخدم القوة فهو بذلك يقنن إستخدام العنف المفرط والمميت من قبل الشرطة .

ثالثاً : العقوبات

العقوبات المغلظة والتي لا تتناسب مع الجرم أو المخالفة ولا تتناسب مع معايير حقوق الإنسان .

الأصل أنه ينبغي أن تكون أجهزة وهيئات إنفاذ القانون والنظام القضائي في الدول التي تضع مثل هذه القوانين والتي تسعي من خلالها تنظيم الحق في التجمع السلمي أن تتمتع بالإستقلالية فيجب أن تكون السلطة القضائية محمية من تدخل السلطة التنفيذية ، كما يجب أن تكون خالية من أي نفوذ أو مصالح حزبية وذلك كله في سبيل الثقة عند تنفيذ القانون ونظام العدالة .

وفي هذا القانون نجد أن المشرع قد أجحف في تغليظ العقوبة فوضع حد أدني في العقوبة السالبة للحرية بشكل ظالم لا يتناسب مع الجرم , المخالفة المرتكبة – وجعل الإعتبار في تفعيل العقوبة هو بالإلتزام بالجراءات أو مخالفتها ، وليس بإرتكاب جرائم يُعاقب عليها القانون أثناء التظاهر أو الإجتماع العام ، وخالف المشرع هنا قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات أو كما يري البعض أنه تحايل علي القانون العقابي فالأصل أنه لا عقاب الإ علي الفعل الآثم الذي يعد جريمة بنص القانون وذلك يخالف ما رأته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في أن العقوبات اللاحقة تشكل تدخلات غير متناسبة مع الحق في حرية التجمع أو التعبير فينبغي فرض قيود طفيفة حيث تكون المخالفات المعنية ذات طابع طفيف ينطبق عليه مبدأ التناسبية علي الأفعال الناشئة تلك .

غلظ المشرع العقوبة وأضاف قيوداً علي قيود تنظيمه ورفع كلفة ممارسته ، وجعل مخالفة بعض أو أحد المشاركين في التظاهرة سبباً كافياً لفض التظاهرة أو الإجتماع ، فرسم القانون هذا نهجاً جديداً في العقاب خالف به كل المعايير الدولية وهو العقاب الجماعي في التعامل مع المتظاهرين .

فالمشرع هنا لم يكتفي بذلك بل توسع في نطاق التجريم فصادر حق المتظاهرين في الحصول علي تبرعات أو إعانات أو توفير ما يسمي بالإعاشة لهم، عن طريق بعض منظمات المجتمع المدني والمواطنين المتعاطفين معهم ، وجعل من مجرد تعطيل حركة المرور جريمة يعاقب عليها بالحبس علي الأقل سنتين والغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ، ومن خلال ذلك كله يتبين لنا توجه السلطة الحاكمة في جعل السيطرة للسلطة التنفيذية متمثلة في وزارة الداخلية فيخضع لها حق من حقوق المواطن وهو الحق في التجمع السلمي بل والحق في معاقبة كل من يشارك في تجمع أو موكب دون موافقتها بتقديمه إلي المحاكمة بمواد عقابية لا تتناسب أبداً مع المخالفة التي قد ترتكب ودون النظر مطلقاً إلي أفعال الجهاز الأمني الذي يُفرط دائماً من قبل ثورة يناير وحتي الأن في إستخدامه القوة والعنف ضد المتظاهرين دون مراعاة سلميتهم أو حتي نوع شخصهم ، بل أن هذا القانون بالفعل مكن هذا الجهاز من إمكانية إفلاته من العقاب إذا أساء وأفرط في إستخدامه القوة وخصوصاً بعد أن أعطي القانون لظابط الشرطة الحق في فض التظاهرة بالقوة إذا لم يكن هناك مثلا إخطار أو تعطيل لحركة المرور بل وإستخدام الرصاص الخرطوش في فض مثل هذه التظاهرات والتجمعات أو حتي الإجتماعات .

فلم يراعي المشرع هنا إطلاقاً أن الأصل هو أن يتمتع أي شخص متهم بإرتكاب جناية تتعلق بالتجمع بالحق في الحصول علي محاكمة عادلة ، فيجب علي جميع الأحكام التي تخص المسؤولية الجنائية أو الإدارية الإمتثال لمبدأ الشرعية ، وعلاوة علي ذلك إذا كانت هناك أسباب وجيهة لعدم الإمتثال لشروط الإخطار لا ينبغي القيام بالملاحقة أو فرض العقوبات ، كما لا ينبغي ملاحقة الأفراد المشاركين في تجمع والذين هم أنفسهم لم يرتكبوا أي فعل عنيف ، حتي لو كان الأخرون في التجمع تصرفوا بعنف أو فوضي .

ولا يجب ملاحقة منظمي التجمعات علي تقصيرهم في أداء مسؤولياتهم إذا كانوا قد بذلوا جهداً معقولاً للقيام بذلك. وعلاوة علي ذلك لا ينبغي ملاحقة المنظمين علي أفعال المشاركين أو عن سلوك غير قانوني لم يقصده المنظمون ولم يشاركوا فيه مباشرة. فإن ملاحقة منظمي الحدث هو رد غير متناسب علي الإطلاق وكانت ستعني ضمناً أن المنظمين يتحملون المسؤولية عن الأعمال التي يقوم بها الأفراد الأخرون والتي لم يكن من الممكن التنبؤ بها بشكل معقول .

كل ذلك من نصوص هذا القانون الجديد يخالف ما إلتزمت به مصر وصدقت عليه من معاهدات ومواثيق دولية وأهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكذا العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية .

رابعاً : الأحكام الإجرائية

ألغي المشرع في القانون الحالي القانون رقم 14لسنة 1923 وأبقي علي قانون التجمهر الصادر برقم 10لسنة1914 وتعامل مع الشعب وكأنه محتل ، فرض عليه قانون فرضته عليه سلطة إحتلال وعاقبه علي مخالفته كما كانت تعاقب سلطة الإحتلال أجدادنا عند نضالهم ومقاومتهم لها ، فالسلطة من خلال تشريعها الحالي تتحدي شعب قام بمواجات ثورية في ثلاث سنوات فأرادت أن تقمعه وإتخذت قانون المحتل البريطاني لمصر آنذاك وسيلة لذلك .

إذا كان الأصل أنه في أي مجتمع ديمقراطي عند وضع مشاريع القوانين أن تلتزم السلطة الحاكمة التشاور دائماً مع أولئك المعنيين بشكل وثيق بإنفاذها ومع غيرهم من الأفراد المهتمين والجماعات، فينبغي إعتبار هذه المشاورات جزء لا يتجزأ من عملية الصياغة تحقيقاً لهذه الغاية ، كما يجب الإشارة أنه يتطلب عند وضع تنظيم لمثل هذا الحق وهو حرية التجمع السلمي هو وجود حالة من الإستقرار القانوني وقابلية التنبؤ بما قد يحدث كرد فعل علي أحداث معينة وذلك حماية للإطار التشريعي التي من المفترض أن تسعي الدولة إلي الحفاظ عليه والتماسك العام وعدم الإضرار بحقوق الأفراد .

وفي هذا القانون إعترض أولئك المعنيين بشكل وثيق علي مشروع هذا القانون من الأفراد المهتمين بحقوق وحريات الإنسان وكذلك منظمات المجتمع المدني المهتمة بحماية حقوق الإنسان ، ورغم ذلك أقرت السلطة الحاكمة هذا القانون ولم تعر لهم إهتماما . بل وزادت علي ذلك وزادت في القمع ولم تلغي قانوناً قمعياً وضعته سلطة إحتلال منذ مائة عام لتحارب به شعباً إستطاع بنضاله وحده أن يزيح هذه السلطة ويحكم نفسه بنفسه حتي وإن جاء للحكم رؤساء مستبدين فنضال الشعب ظل مستمر وإن تأخر .

قانون التجمهر 10لسنة1914 ذلك القانون الذي جعل من تجمع مجرد خمسة أشخاص علي الأقل خطر علي السلم العام ، ذلك القانون الذي وضعته سلطة الإحتلال آنذاك يكفي لأن يكون مبرر لعدم مراعاة السلطة المصرية الحاكمة في هذه الفترة الراهنة أي من المواثيق والمعاهدات الدولية ، فدولة تطبق قانون مر علي صدوره مائة سنة هو بكافة الأوضاع غير مناسب للفترة الزمنية التي يمر بها الشعب اليوم وخصوصاً بعد ثورة خرج جموع الشعب فيها للمطالبة بحقوقهم الإجتماعية والإقتصادية والمدنية بشكل عفوي وسلمي وظل خروجهم علي السلطات المتعاقبة في السنوات الثلاثة الماضية في تجمعات عفوية سلمية ، ذلك القانون وحدة كافي لأن يكون دافع لهذا الشعب في إستكمال نضالة وما إكتسبه من حقوق منذ يناير2011 وحتي الأن والتي تحاول السلطات المتعاقبة إنتزاعها منه .

وأخيراً ..

لا أطمح أن أقدم من خلال هذه الورقة تسجيل كامل أوجه العوار لهذا القانون المسمي تنظيم التظاهر وإنما مسعي رأيي هذا هو :

بداياً أن أقدم مساهمة في طريق نضال أفراد ومؤسسات طالما طالبت وكافحت وساهمت في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم ، وثانياً أن نبين للسلطة الحاكمة أن لدي هذا الشعب الكثير ممن سيظلوا علي الطريق في الحفاظ علي ما بدأه أساتذتنا في هذا المجال ، وأخيراً أننا علي يقين أن هذا الشعب مازال ينبض ويتشوق لعدم إهدار ماحققه من حقوق في ثورة يناير2011 وماتبعه من موجات ثورية ـ وسيظل هتافه عيش حرية عدالة إجتماعية .

المرجع الرئيسي لهذه الورقة:

1- مبادئ توجيهية بشأن حرية التجمع السلمي ـ الطبعة الثانية ـ مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان ( ODIHR ) .